Monday, 30 September 2013

أعوام انقضت، منذ أن ظهرت أولى التقنيات المتطورة في تسجيل وعرض الصور المتحركة للعالم المتحرك من حولنا، وحققت ما كان يظنه الإنسان من قبل سحراً أو ضرباً من خيال، وها نحن اليوم، نشهد ثورة شبيهة بسابقتها... ولكن لعالم يتحرك في مستويات القياس الذرية. تقنية جديدة تصور لنا في الزمن الحقيقي، و تشكيل مرئي للفضاء الحقيقي ثلاثي الأبعاد لكل التغيرات التي تجري على بنية وشكل المادة بأصغر أجزائها، وبأبعادها النانوية.


ما يجعلنا نقدم لكم هذا الخبر في موقعنا، وما يجعلنا فخورين بالفعل أن من قام به عالم عربي عرفناه وافتخرنا به حينما تسلم جائزة نوبل عام 1999 في الكيمياء، إنه أحمد زويل، يترأس اليوم في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا قسماً رائداً بأبحاث المادة والفيزياء الجزيئية، وها هو يقدم مع زملائه اختراعاً وقفزة جديدة من نوعها في هذا المجال، ويمكنك أخي القارئ أن تشاهد ما قد توصل إليه زويل من خلال الأفلام التي يعرضها على موقعه الشخصي وموقع المركز على هذا الرابط:
هنا


وهي مشاهد حقيقية وواقعية من الأفلام التي قام المجهر رباعي الأبعاد بتسجيلها، خطوة خطط لها أن تنجز منذ عام 2006 ضمن الخطة البحثية التي عهدت إلى معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا CalTech، وقد سميت هذه التقنية الحديثة بالميكروسكوب الإلكتروني رباعي الأبعاد، وطوّر في مركز الفيزياء البيولوجية للعلوم والتقنيات فائقة السرعة والذي يقوم عليه أحمد زويل بنفسه.


لقد تسلم العالم أحمد زويل جائزة نوبل عام 1999 كمكافأة له على أبحاثه الرائدة في الكيمياء الفيمتوية، وهو علم استخدام الومضات الليزرية المتقطعة والقصيرة جداً بهدف المراقبة العينية المرئية والتسجيلية للتفاعلات الكيميائية الأساسية، كاتحاد ذرات مادة ما مع جزيئات مادة أخرى، والتي تجري في مقياس زمني من رتبة الفيمتو ثانية ( جزء من مليون من بليون جزء من الثانية أو 10 مرفوعة إلى القوة -15 من الثانية )، وقد عبّر أحمد زويل آنذاك بأن ما يقوم به اختراعه من تصوير لحركة الجزيئات والذرات مشابه من حيث المبدأ لما قامت به كاميرا المصور إدوارد مويبريدج في القرن التاسع عشر عندما أثبتت لأول مرة أن الحصان يرفع كل أرجله عن الأرض عندما يجري.


يقول العالم أحمد زويل اليوم ( لقد قدم لنا ذلك الاختراع صوراً لحركة الجزيئات في البعد الزمني، ولكنها لما تقدم لنا المعلومات الكافية لأبعاد الفضاء والحركة الكاملة لبنية الجزيئات، فقد رأينا من خلالها الحصان، ولكن لم نعلم أله ذيل طويل ؟ عينان جميلتان ؟ كان حلمي منذ عام 1999 أن أتوصل إلى طريقة لرصد الحركة مكانياً بأبعاد المكان الثلاثة، وزمانياً، كان حلمي أن أغوص إلى عمق البنية المعقدة على المقياس الذري للمادة وأراقب تغيراتها خلال الزمن، سواءً كانت مادة فيزيائية أو حيوية.. ).



لقد شكل المجهر الإلكتروني أداة مساعدة لكافة الأبحاث العلمية عندما قدم إمكانية للعلماء لمشاهدة البنية الثابتة للمواد وبدقة تفوق الجزء من بليون جزء من المتر ( أو النانومتر )، وهو مجهر يقوم بتوليد سيالة من الإلكترونات المنفردة التي تبعثر المواد التي ترتطم بها عندما تتحرك بسرعة معينة وتوجه نحو تلك المواد، وقد تحقق ذلك لمواءمة الإلكترون للشروط الفيزيائية لعملية التصوير، إذ يتوجب على طول موجة المنبع المشع الذي يستخدمه المجهر أن يكون أقصر من الأبعاد الفراغية للذرات، وهو ما تتمتع به المنابع الإلكترونية، وبتفصيل أكثر: يتناقص طول موجة الإلكترون المنبعث بازدياد سرعته، وذلك عندما يتم تسريعه إلى سرعات كبيرة جداً.


ولكن امتلاكنا لمنبع إلكتروني موافق للشروط أمر غير كافٍ لتصوير حركة الذرات في الفراغ والزمن، إذ يلزم أن يكون المسار الزمني والمكاني للإلكترون المنبعث مدروساً وبدقة عالية كي يصل إلى العينة بفواصل زمنية محددة في الدراسة النظرية، وهو ما حققه العالم أحمد زويل مع زملائه بتقديمهم لنظام التصوير الإلكتروني رباعي الأبعاد عالي الدقة، والذي قد أسموه التصوير أحادي الإلكترون فائق السرعة Ultrafast Single-Electron Imaging، حيث يتم التحكم بمسار الإلكترون المنبعث بشكل دقيق زمنياً ومكانياً.






(أحمد زويل وفريق البحث والمجهر رباعي الابعاد)




إن الصورة التي ينتجها كل إلكترون هي عبارة عن فيمتوثانية ثابتة لحظة الالتقاط، وكما هو الحال في الإطارات التي تجمع بشكل متتالٍ لتشكيل الفيلم أو الصورة المتحركة، يتم جمع الصور الملتقطة من كل إلكترون رقمياً، وتشكيل الصورة المتحركة للذرة.


كما ذكر في مجلة العلوم Science في الورقة المخصصة للبحث، فقد طبق العالم أحمد زويل وزملاؤه تقنيتهم على صفائح من الذهب والغرافيت في مراقبة سلوك ذراتها، وتتألف مادة الغرافيت (التي تشكل مادة الكتابة في قلم الرصاص) من طبقات من ذرات الكربون المنتظمة بشكل مصفوفات صفائحية متتالية، وأبدت ذراتها حركة منتظمة ومتماسكة حينما شوهدت في فيلم فيمتوي على المقياس الزمني، ولكن من الجدير بالذكر، أنه قد سبق للعلماء أن قاموا بدراسة تصويرية من رتبة البيكوثانية على المقياس الزمني باستخدام مجاهر أخرى، وقد أنتجت صفائح الغرافيت النانوية أمواجاً صوتية، أما في الصور، فقد ظهرت حركة الصفائح (لا الذرات) وحدد من خلال هذه الحركة مقدار القوة التي تربطها مع بعضها البعض ضمن خاصية إجهادية-توترية أسميت بمعامل يونغ، أما المجهر رباعي الأبعاد، فقد قدم لنا فيلماً لحركة ذرات وصفائح الغرافيت في أبعاد الفراغ والزمن.


أما في الورقة الثانية التي قدمها فريق عمل البحث في الإصدار الحالي لصحيفة Nano
Letter داتهم ، فقد ذكر أن العالم أحمد زويل وزملاؤه وصفوا مشاهالمرئية لتغيرات طبقة ثخينة من غشاء من الغرافيت على مقياس زمني أطول يصل إلى ألف جزء من الثانية، حيث قاموا بتسخين نبضي للعينة المدروسة، التي بدأت تهتز في حركة عشوائية غير متزامنة، ومع مرور الوقت، تزامنت حركة الذرات مع بعضها ( أقفلت أطوار الحركات الاهتزازية للذرات ) وأبدت حركتها ما يشبه النبضات القلبية ( أو النبضات الطبلية )، وفسرت تلك الأفلام المصورة لحركة الذرات ظاهرة التطبيل النانوي الميكانيكيةNano-Drumming Mechanical Phenomena، التي انطوت على حادثة طنين أو رنين ميكانيكي أعلى بمائة مما يمكن للتجهيزات رصده في اهتزازات غشاء الطبل في أذن الإنسان. 



(مبدأ التصوير )





يقوم العالم أحمد زويل الآن بتوسيع دائرة تطبيقات نظام التصوير رباعي الأبعاد إلى حدود التطبيقات الحيوية والطبية وذلك بالتعاون مع غرانت جينسين Grant Jensen، الأستاذ في قسم علوم الحياة في معهد CalTech، فيقول زويل: ( باستخدام تقنية التصوير رباعية الأبعاد هذه، يمكننا أن نسجل فيديوياً ومباشرة الكثير من الحوادث التي تحدث على المستوى الذري للمادة، وأصبح بإمكاننا توصيفها بنيوياً، وشكلياً وكخصائص ميكانيكية نانوية، مما سيمكننا من الفهم الأعمق لها )، ويقوم الباحثون الآن باستخدام هذه التقنية لتصوير عناصر الخلية الدقيقة كالبروتينات والريبوزومات والآليات التي تحدث في الخلية لتشكيل البروتينات، وقد سجلت حتى الآن حركات البلورات البروتينية والخلايا الحية لفئران التجارب في الأوساط المائية، وكل ذلك، في الزمن الحقيقي.





ساهمت في دعم هذا البحث العديد من المؤسسات العلمية، وهو على حد تعبير أغلب العلماء والمختصين في المجالات الحيوية والفيزيائية الجزيئية من المطلعين: أنه سيفتح آفاقاً جديداً للبحث العلمي في أدق وأصغر سويات المادة، وما كان مستحيلاً بالأمس أصبح واقع اليوم، بفضل جهود ونفقات ومتابعات واستقصاءات دامت عشرات السنين، قضى فيها العالم أحمد زويل ساعات عمره منقباً في الأعماق، عن أكبر أسرار الكون والحياة.




منقول ومترجم عن المصدر: مركز البيولوجيا الفيزيائية للعلوم والتقنيات فائقة السرعة Physical Biology Center of Ultrafast Science & Technology.